الأقباط متحدون - جورج الخامس يحاور جورج الخامس
أخر تحديث ٢٠:٠١ | الخميس ٢٨ فبراير ٢٠١٣ | ٢٢ أمشير ١٧٢٩ ش | العدد ٣٠٥١ السنة الثامنة
إغلاق تصغير

جورج الخامس يحاور جورج الخامس

تصادف أن كان جورج الخامس، ملك إنجلترا وإمبراطور الهند خلال فترة ثورة ١٩١٩، ورغم أنه كان يتمتع بشعبية كبيرة فى بلاده فى تلك الفترة، فإن صورة هذا الملك اختلفت تماماً فى الشارع المصرى، فقد اعتبره المصريون فى تلك الفترة رمزاً للهيمنة الاستعمارية، وسبب ذلك أنه فى خلال المفاوضات التى جرت بين سعد زغلول واللورد ملنر فى لندن، فى جلسة يوم ٢٥ أكتوبر عام ١٩٢٠، سأل الزعيم المصرى المفاوض الإنجليزى: «من ذا الذى يعين المفوضين؟».

فأجاب ملنر: «الحكومة المصرية»، فقال سعد زغلول وقتها: «عدلى معين من قبل السلطان، والسلطان معين من قبل الإنجليز، ومعنى أن يفاوض عدلى الإنجليز أن جورج الخامس يفاوض جورج الخامس».

وهكذا وصف سعد زغلول طبيعة المفاوضات التى حاولت الحكومة البريطانية أن تجريها مع مجموعة اختارها السلطان فؤاد، كان على رأسها عدلى باشا يكن، للخروج من الأزمة وتهدئة ثوار ١٩١٩، بالالتفاف على إرادة الشعب والثورة وزعمائه الذين أوكل إليهم مهمة تمثيله.

وهكذا فقد جورج الخامس سمعته بين المصريين، رغم أنه لم يشارك بشكل مباشر أو غير مباشر فى كل هذا الموقف.

اليوم يكرر التاريخ بعضاً من ملامحه على أرض مصر، ويحدث أن تفقد مفاوضات أو حوار غير حقيقى سمعته بين المصريين، بل يبدأ فى فقدانها بين بعض من حلفائه الخارجين بسبب ذلك.

من يتابع ما أطلق عليه زوراً وصف «الحوار الوطنى» سيكتشف أنه خدعة جديدة فى إطار مسلسل الخداع المستمر للمصريين، والذى نجح حتى الآن: خداع الإعلان الدستورى، وخداع حماية المتظاهرين، وخداع دستور كل المصريين وخداع رئيس كل المصريين!!

من ينظر إلى تلك الجلسات التى وصفت بأنها حوار وطنى لن يحتاج مجهوداً كبيراً ليلحظ التالى: أول شىء أنه مرة أخرى يقوم جورج الخامس بمحاورة جورج الخامس، ليس هناك اختلاف كبير بين وجوه الجالسين، وليس هناك اختلاف على الإطلاق تقريباً بين توجهاتهم، كما أن معظم الحاضرين لا يعرفهم معظم المصريين، ويضاف إليهم بعض المنافقين الدائمين فى كل العصور.

أما من يدير الحوار، فقد بدا أنه فى عالم آخر غير ذلك العالم الذى نعيشه. وقد قرر أن يعيش حالة «لا أرى ما يحدث فى الشارع وفى محافظات مصر، لا أسمع ما يقول المصريون، ولا أتكلم إلا بما تريده جماعتى». وهذا السلوك ممن يرعى الحوار هو سلوك أصيل لديه ولدى جماعته منذ اللحظة الأولى التى قرروا فيها أن ينطلقوا إلى الأمام. والأمام من وجهة نظرهم هو مصلحتهم، ورحم الله ميكافيلى الذى لو كان له أحفاد ما كان يتمنى أفضل من هؤلاء الأحفاد.

الخط العام للحوار الذى لم يحضره المصريون هو الحديث من منتصف الطريق الذى لا يراه راعى الحوار، فقد تجاهل كل المطروح على الساحة من مشكلات حقيقية وأزمات تعصف بالاستقرار السياسى وبأمن الوطن، وركز حواره فقط على ضمانات نزاهة الانتخابات، وهو هنا تجاهل كل الاعتراضات وفرض أجندة الحوار كما يراها لا كما يحتاجها الوطن، ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل قرر أنه يرى أفضل وسيسمع أفضل ولديه معلومات أكثر، وبالتالى فإنه من سوف يتخذ القرار وليذهب جميع الجاهلين بالأسرار وضيقى الأفق وعديمى القدرة على التمييز من كل المصريين إلى الجحيم.

من التعبيرات التى اعتدنا سماعها كثيراً دون أن نستخدمها لبلاغتها، ودون أن ندرى عمقها وبلاغتها هو تعبير «حوار الطرشان»، لكننا اليوم نظن أننا أصبحنا نعلم ونشعر بمعنى هذا التعبير، فقد اختار أن يحكم الطرش الاختيارى قرار أسلوب الحكم، فلم يلتفتوا إلى الشارع ومطالبه، وبالتالى لم نجد أمامنا نحن المواطنون إلا اختيار الطرش حماية لأعصابنا وتجنباً لأمراض ضغط الدم. وإذا كان يقال إن جورج الخامس فقد سمعته دون إرادته، فإن من يتولون الحكم اليوم قد فقدوا سمعتهم بإرادتهم.

Menawy@gmail.com

نقلا عن المصري اليوم


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع