الأقباط متحدون - كراكيبي الغالية
أخر تحديث ٠٩:٤٧ | الاثنين ٣٠ يوليو ٢٠١٢ | ٢٣ أبيب ١٧٢٨ ش | العدد ٢٨٣٧ السنة السابعة
إغلاق تصغير

كراكيبي الغالية

بقلم- سحر غريب
من قال إنني أرغب في التحرر من الماضي عندما يكون هذا الماضي لا يكبلني ولا يكبل مستقبلي، بل أنه يعطيني دائمًا دفعات إلى الأمام، فإنسان بلا ماضٍ هو إنسان  بلا مستقبل.
 
يلومني زوجي العزيز على دولابي الذي فيه تاريخي الذي يمتد من قبل الزواج وإلى يومنا هذا، يتهمني بالبخل لأنني كلما حاولت أن أتنازل عن قطعة من ملابسي أفشل فشلًا ذريعًا، أما هو فلا عزيز لديه، كل ملابسه قابلة للتنازل والمغادرة، فهذه القطعة صغر مقاسها عليه، وهذه قطعة أخرى فقدت ملامحها بعد أن سقطت ضحية سهلة داخل غسالتي مع بلوزتي الحمراء، والشيطان شاطر، فتحولت بفعل فاعل من اللون الأبيض إلى اللون الوردي.. 
 
لو كنت مكانه لتقبلت الأمر الواقع، وارتضيت بإعادة التلوين الإجبارية، وارتديت القميص البمبي من باب التغيير، ولكنه قرّر أن يتنازل عنها. أما أكثر القطع التي آلمني تنازله عنها، وتركت مغادرتها الدولاب ندبة عميقة في قلبي، فهي بدلته الرمادية ولوازمها، تلك البدلة التي ارتداها في اليوم الذي تقدم فيه لخطبتي، منذ ما يقرب من عشر سنوات أو يزيد. كنت كلما أراه يرتديها أتذكر كل لحظة من ذاك اليوم البعيد، مكان جلسته، أمي الغالية التي أضحكتني كثيرًا أثناء انتظار العريس، الشاي الحبر الذي صنعته بيدي، وكان أول كوب شاي في حياتي كبنت تبعته بقية المشروبات والحلويات والأكلات اللذيذة التي تعلمت صنعها من أجل عينيه فقط، حتي لا تتكرر مأساة كوب الشاي الأول.
 
كنت أذكره بكل هذا كلما رأيت بدلة الذكريات، حتى قرر أنها النهاية. حاولت يومها أن أقنعه بأنه سيستعيد وزنه السابق وسيحتاجها مرة أخرى، ثم أنني على أتم استعداد لاستضافة بدلته تلك داخل دولابي المزدحم بملابس الذكريات الأثرية، ولكنه رفض بشدة واتهمني بالبخل والشح، وكانت جريمتي الوحيدة أنني عاطفية زيادة عن اللزوم. فنظرة واحدة داخل دولابي ستعرف منها جميع تفاصيل حياتي، الصغيرة منها قبل الكبيرة، فهذه جونلة ارتديتها عندما قابلت زوجي أول مرة، وتلك بلوزتي الخضراء التي ارتديتها يوم خطوبتي، وهذا فستان لبسته يوم كتب كتابي.. كلها ملابس لم تعد تتناسب مع زوجة حملت في بطنها ثلاثة أطفال وفقدت كثيرًا من رشاقتها، ولكنني احتفظ بها تمسكًا مني بكل لحظة عشتها. فهذه وسيلتي في الاحتفاظ بالماضي الذي أدى بدوره إلى الحاضر.

 


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter