كتب: سليمان شفيق
• وصف كثيرين تلك الحركة او الثورة بالفوضوية والتخريب ، وكأن العنف جديد علي الفرنسيين ، رغم اننا اذا عدنا الي 1792 بدأت الثورة الفرنسية ،وكانت اكبر ثورة دموية ، وتم اعدام الالاف ومنهم اعدام الملك لويس وزوجتة الملكة ماري انطوانيت بالمقصلة ، ثم اعدام روسبير ايضا، ولكن من خل المقصلة والدماء ولدت الحرية و المساواة والاخوة، يتحدث كثيرين الان عن ان حركة "السترات الصفراء" ، عنيفة وتخريبية وليست سياسية ، وذلك بعد التصريحات التي أدلى بها ماكرون واصفا الاحتجاجات" بالمهينة والمخجلة لقيم الدولة الفرنسية والفرنسيين"، وبدأت بعض الأصوات تتعالى محذرة من أن تكون "حركة السترات الصفراء" قد اخترقت أو مخترقة أصلا من بعض الجهات أو الأحزاب المعارضة على رأسها اليمين المتطرف، كما يحاول البعض في مصر او الشرق الاوسط الصاق الاتهامات بالمهاجرين ، والسؤال لقد القت الشرطة الفرنسية القبض علي اكثر من الف معتقل ، هل افصحت للاعلام عن اي مهاجر ؟ بل وكتب بعض المصريين والعرب ضد اصحاب السترات الصفراء ومن مفارقات القدر ان يتهموهم ايضا "بالتخريب والهمجية والرعاع "
 
• وكأنهم نسوا أن الثورة الام الثورة الفرنسية ، شهدت عنف لم يشهدها العالم الحديث من قبلها ، بل وان ثورة الطلبة 1968 ، تعرضت لهجوم عنيف من وسائل إعلام الحزب الشيوعي على ولا ننسي العنف الذي ساد ثورة الطلاب في 1968، وشعاراتها ، والذين وصفوا ايضا حينذاك بالفوضويين والرعاع ،واستمر نحو شهر لم ينته إلا بموافقة الدولة على زيادة الحد الأدنى للأجور 37% والموافقة على تمثيل العمال في نقابات المصانع
 
• في خضم احداث 1968، عندما استولى الطلاب على جامعة السوربون طلب الرئيس ديغول من رئيس وزرائه جورج بومبيدو «سحق التحرك وتنظيف الجامعة»، إلا أن الأخير رفض وكان محقا في تصرفه لأنه كان يعلم ان كل تصعيد لابد ان يُقابل بتصعيد أكبر في الشارع.
 
وعلى المستوى الاقتصادي شكل عام 1968 نقطة تحولية في مسار الاقتصاد الفرنسي الذي انتقل من مرحلة النمو إلى مرحلة ركود بدأت تلقي بظلالها على العمال ومستوى المعيشة والبطالة
 
وانتقلت العدوى من الطلاب الى صفوف العمال والنقابات حتى خرجت في 13 مايو مظاهرة ضمت مئات الآلاف رغم الإفراج عن الطلبة إذ ظهرت مطالبات العمال بتحسين الأجور وتحسين أوضاعهم الاقتصادية وظروف عملهم. وفي 14 مايو1968 أعلن الإضراب العام في البلاد ، أمام هذا الواقع لم يجد الجنرال ديغول مخرجا الا الدعوة الى انتخابات مبكرة واستقالة الحكومة في 21 يونيو، ورغم فوز حزب ديغول مجددا، إلا أن الأحزاب لم تتبن الانتفاضة والطلاب لم يسعوا للانقلاب، فقد مهدت الأحداث لتحالف الاشتراكيين والشيوعيين وتدعيم ركائز اليسار الذي سمح بإيصال الرئيس فرنسوا ميتران الى الرئاسة في 1981 واستمراره حتى 1995 والذي كاد يعود مع المرشحة سيغولين روايال الى رأس السلطة في الانتخابات الماضية.
 
في النهاية وباختلاف الأحكام الصادرة بحق تلك الأحداث أو الانتفاضة، هناك حقيقة مؤكدة انها مهدت الى تحركات مهمة هزت أوروبا وقضت على الكثير من موروثات الحرب العالمية الثانية برغم استمرار الحرب الباردة في أصعب لحظاتها.
 
ولا ننسي حتي احتفالات الفرنسيين العام الماضي بالفوز بكأس العالم ، وكيف قتل فيها (14) فرنسيا وسرقت ايضا محلات تجارية ، بالطبع ليس هذا تبريرا للعنف ولا للتخريب ولكن عدم الوقوف فقط امام السلبي في الظاهرة ، والعنف دائما مرتبط بالثورات بل والولايات المتحدة الامريكية لم تتوحد الا بالحرب الاهلية ، والعنصرية لم تنهزم في جنوب افريقيا الا بالكفاح المسلح الخ
 
قدم اصحاب السترات الصفراء مطالبهم ال 15 مطلب محدد .. هى مطالب تفيد كل فئات الشعب الفرنسي ... وطالبوا الحكومة بتنفيذ العاجل منها الان،(اول خمسة بنود) ولن يتوقفوا عن التظاهر حتى تحقيق المطالب العاجلة: 
 
1ـ الايكون هناك شخص بلا مأوي، 2ـ الحد الادني للراتب لا يقل عن 1300 يورو شهريا .3ـ الحد الاقصي للراتب لايزيد عن 15000يورو شهريا .
 
4ـ لايقل معاش التقاعد عن 1200 يورو شهريا ، 5ـ زيادة نسبة الضرائب التصاعدية علي اصحاب الدخول العالية والشركات الكبري .
 
6ـ أن يشمل الضمان الاجتماعي جميع الحرفيين واصحاب المشروعات متناهية الصغر، 7ـ تخفيض ايجارات السكن خاصة للطلاب والعاطلين.
 
8ـ الغاء الزيادات الضريبية علي الوقود ،9ـ تأميم شركات الغاز والكهرباء والتحكم في اسعارها ، 10ـ من أجل تحقيق الامن الوظيفي تحديد نسبة اعداد العقود محددة المدة في الشركات الكبري ، وعمل عقود عمل دائمة لهم ، 11ـ انهاء تحميل الفقراء سياسة التقشف واعباء تسديد فوائد الديون وفوائدها ومطاردة الاغنياء المتهربين من الضرائب ،12ـ حظر بيع المؤسسات الفرنسية العامة ، 13ـ عدم زيادة الطلاب في الفصل الدراسي عن 25 طالب وطالبة في كل صفوف وسنوات التعليم الاساسي ،14ـ تحديد سن التقاعد 60 سنة للجميع ، وللعمال الذين يعملون بقوتهم البدنية 55 سنة ،15ـ زيادة المساعدات المقدمة للمعاقين .
 
ويبقي السؤال هل هذة المطالب تعكس ان هؤلاء مخربين ؟ أم انهم ممثلين لثورة اجتماعية سوف تؤثر علي اوربا والعالم ، في مواجهة عصر وحشية راسمالية الشركات الكبري وتحول الدولة الي خادم لتلك الشركات والسوق علي حساب الفقراء والطبقة الوسطي ومحدودي الدخل .
 
اتمني ان يتوقف حكامنا وشعوبنا امام مايحدث في فرنسا ، وعدم استغلال تصرفات بعض المنحرفين والمخربين في تشوية سمعة المحتجين هروبا من مطالب الطبقات الوسطي ومحدودي الدخل ، ان ثورات واحتجاجات اخري ستنطلق هنا وهناك رغم كل محاولات التشوية ذات الطابع العنصري للاسف ، وستظل فرنسا مهما حملت ثوراتها من جذور العنف التي انطلقت من تحت المقصلة 1792، وحتي السترات الصفراء 2018 ، مرورا بثورة الطلاب 1968 ، ولكن من قلب ذلك العنف خلقت في فرنسا الحرية و المساواة والاخوة،