د. مينا ملاك عازر
لم يشغل أحد، وكأنه مقصود، أعمال القمة الثلاثين التي أقيمت في تونس والتي جمعت قادة العرب وزعمائهم، القصد يبدو لأن من بين قرارات القمة موقفها من اعتراف أمريكا بضم إسرائيل للجولان السورية، وكأنهم حاولوا دفع أكبر كم من الغازات المسيلة للدموع والمشوشة للصور والأحداث حتى لا يرى العالم قادة العرب يرفضون القرار الأمريكي، صحيح هو رفض كسوابقه من الرفض والتنديد والشجب والإدانة التي اعتادها العرب في كل مواقفهم المؤثرة، ولاءاتهم الأربع وغيره من مواقف تم التراجع عنها أو التغاضي عنها أو تغاضي العالم عنها، فهي في نظرهم مواقف غير مؤثرة يتنازلون عنها فور تعارضها مع مصالحهم ومع أمريكا وغيرها من بلدان العالم الغربي.
 
رفض العالم العربي للقرار الأمريكي بشأن الجولان ضاع بفعلة من تميم أمير قطر، فعلها تنديد عملي ورفض واقعي لكلمات أمين عام جامعة الدول العربية السيد أبو الغيط التي قالها في حق ربيبتي قطر إيران وتركيا الضامنتين لبقاء تميم على سدة الحكم والحاميتين لحكمه وحكم عائلته، فثار لهما وقاطع القمة وأخذ طائرته وسافر. 
 
دعك من كلمات الإطراء والدبلوماسية لتي أطلقتها الرئاسة التونسية، فهي أولا وأخيراً لحفظ ماء وجهها حيث اعتبر الصحفيون التونسيون ما فعله تميم استهانة منه بتونس ورئاستهم، ناهيك عن أن المواءمات السياسية التي تقتضيها ديمقراطية تونس لاشتراك حزب النهضة الإخواني في الحكم بشكل أو بآخر تفرض على الرئاسة التونسية عدم اتخاذ مواقف مناوئة لقطر أو تصادمية مع الإخوان، وهذا واضح خاصة وأن الرئيس السبسي قد أفاض في الإطراء على الرئيس السيسي الذي لاقت زيارته مواجهة من قبل بعض التونسيين الإخوان بالغضب والرفض وكادت تلغى الزيارة، وكاد الرئيس السيسي يحرم بسبب الغضبة الشعبية التونسية من زيارة تونس في هذا العرس العربي، كما كاد أن يحرم منها بن سلمان بداعي رفضهم للتعامل واستقبال لقاتل معارضه الصحفي جمال خاشقجي. 
 
على كل حال سافر الرئيس السيسي رغم كيد الكائدين وانسحب تميم لألا يغضب الكائدين الأتراك الذين بالمناسبة مُنوا بخسارة في انتخاباتهم المحلية في نفس اليوم تقريباً، كلمات أبو الغيط مست وتر مؤلم لديهم، كلماته كانت قوية، فاضطر أن ينسحب ليعبر عن سخطه و لألا يشارك في رفض العرب لقرار أمريكي يحافظ على وحدة البلاد السورية تلك الوحدة التي لم يصونها الرئيس السوري نفسه يوما ما بحسب القصة التي أوردتها في مقال سابق.
 
صديقي القارئ، الانسحاب القطري الأميري لم يكن ثأراً للأتراك والإيرانيين الذين يحمونه لكنه أيضاً لتخفيض حدة اعتراض ألفه العالم وبات غير مؤثر لكنه لم يعد يقبله الأمريكيين في حالة قبولهم للسيادة الإسرائيلية على الجولان لم يطوقونه فانسحب.
المختصر المفيد الانقسام والعمالة داءين يدمران المنطقة.