خديجة حمودة
عندما تفتح القلوب أبوابها لتتّسع وتحتضن حبيباً أو وطناً أو رفيقاً أو مكاناً أو مهنة أو هواية أو شقيقاً أو صورة، لضحكة من قلب كبير يحتوى المحيطين به، ويغدق عليهم كل ما هو جميل وطيب وحنون، فإنه من المستحيل أن يأتى يوم عليها تغلق الأبواب أمام هذه المشاعر الدافئة الحميمة، التى تشكل كل ما يحيط بصاحبها، وترسم وتصبغ حياته وطباعه ودورته اليومية وردود فعله وقاموسه اللغوى ولمساته وهمساته وحالته المزاجية وطموحاته وأحلامه وأيضاً ميعاد نومه وساعات يقظته، ومتى تسطع شمس حياته، ومتى تغيب، وموعد ميلاد قمره وتمامه وخسوفه وكسوفه؟

لما قلبك يحب، ستجد من تختبئ بين ذراعيه فى لحظات ضعفك عندما تبكى حزناً أو ألماً أو فقداً أو حتى من فرط السعادة والمفاجآت الجميلة والاحتفالات القلبية التى نخبّئها، خوفاً من النظرات الحاسدة أو الفضولية ونضمها داخل الصدور وسط دفاتر الذكريات، لأنه من أشد وأقسى ما نمر به فى الحياة، أن تقتصر تلك اللحظات علينا دون شريك يمسح بيديه أوجاعنا، ونبتسم عندما نرى رقم هاتفه يحادثنا أو نقرأ رسالة منه، تحية وشوقاً ولهفة وتهنئة، وربما طلب رسمى بالسماح بلقاء أو قرب أو لمسة حانية ترطب قلوبنا، وتهدئ من إيقاع دقاتها.

لما قلبك يحب ستُدرك بصدق معنى الأعياد وفرحتها وطقوسها، وستحتفظ دائماً بالأجمل والأغلى والأكثر أناقة من الثياب، ليكون أول عين تراها وأول رأى له، ولتدعو من صميم قلبك أن تحوز إعجابه، ومعها تحتفظ بأندر العطور والهدايا وأطيب الأطعمة ليوم اللقاء. وستجد متعة فى البحث عما يُسعد ذلك الحبيب ويرسم البسمة على شفتيه، وستتحول أحلامك إلى رقصات مبدعة للتانجو بين ذراعيه، ولفات ساحرة فى الهواء، وخطوات معدودة ومحسوبة، ويد تحتضن الخصر وأخرى ممدودة فى الهواء تعانق أصابعها أصابع الحبيب، وستشعر أن جميع أغانى الهوى تصف حالك وحاله وتتفنن فى ترجمة ما يدور بعقلك وما تتمناه فى لحظات اللقاء.

لما قلبك يحب، ستُدمن قراءة طالعك اليومى، وبعد الانتهاء من تناول فنجان قهوتك ستديره بين يديك بخفة وتغلقه بغطاء محكم، خوفاً من هروب الكلمات والرسائل والأسرار منه، وستعكس وضعه، وتنتظر أن يهدأ وتستقر خطوطه لتبحث عن مستقبل حبك، أياً كان صاحبه بين الرسومات التشكيلية التى رسمتها بقايا المشروب، وستتوسل إليها قبل أن تدور بينها بعينيك، أن تفشى لك سر الحبيب، وأن تُحدّد موعد اللقاء، وتبتعد تماماً عن الفراق والدموع والآهات.

لما قلبك يحب، ستبحث عن معنى اسمك ومرادفاته فى القاموس، وستشعر بأن حروفه لها وقع كالأغانى عندما تخرج من بين شفتى الحبيب، وستتأكد أن كلمات المبدع كامل الشناوى عندما قال عنه «الحب جحيم يطاق، والحياة بدون حب نعيم لا يطاق»، كانت صحيحة وخرجت من قلب عاشق يتألم وأن الكاتب عباس محمود العقاد وضع أهم قوانين الحب بقلمه «من يحب يحب للأبد».

أما إن غاب الحبيب أو الحلم أو الوطن ودفؤه أو الابن وحنانه أو الزوج وهو السند أو الرزق وهو الستر، فستبحث وتنتظر وتشعر أن ساعتك أصابها الخلل وأصبحت حركة عقاربها بطيئة، ونتيجة الحائط لا تبدّل أوراقها، والسماء تغيرت ألوانها، والشمس والقمر اختلفا حول مواقيت الظهور والاختفاء، فالكون كله يهتز ولا يعرف الهدوء أو السكون وستفرح وتهلل إن اصطدمت عيناك بواحد من رموش عينيك يهرب ويسقط على وجهك لتُمسك به بين الإبهام والسبابة وتغمض عينيك وتطلق آهة عاشق مشتاق وتقول «حبيب غائب سيعود»، كما اعتادت النساء أن يرددن فى مزحاتهن الخاصة، بعيداً عن العيون، ليصفن لهفة المحب فى انتظار اللقاء.
نقلا عن الوطن