نعيش أوضاعًا غير عادية لفترات طويلة فتصبح جزءًا من ثقافتنا ونعتادها مهما بدت غريبة لغيرنا.

 
الصيف الماضى جاءت ابنة أختى- المصرية المولد الكندية النشأة والجنسية- فى زيارة سريعة للتدريب فى مستشفى فى مصر كأحد متطلبات دراستها، وكنت قد نسقت لها التدريب فى إحدى كبرى المؤسسات الطبية المرموقة فى مصر، وما إن بدأت يومها الأول فى التدريب حتى اصطدمت بالواقع «المختلف»، إن أردنا أن نستخدم لغة لطيفة!!، فالتدريب صورى معظم الوقت، لا أحد يهتم بالمتدربين، لا مهام حقيقية.. وأمور تبدو عادية بالنسبة لثقافة من اعتادوا أن شهادة إتمام التدريب أهم من التدريب، لكن الطالبة ذات الخلفية الثقافية التى تقدس العمل كانت حائرة، قلت لها بحماسى المعتاد «حاربى من أجل حقك!!» نظرت لى فى هدوء وقالت: «نحن لا نحارب من أجل حقوقنا، نحارب من أجل أحلامنا!!».. إن كان من حقى تدريب جيد فلماذا لا أحصل عليه فقط!!.
 
لا أذكر ماذا قلت يومها بعد هذه الجملة، لكنى أذكر أننى تعلمت كثيرا!، فتلك ثقافة مختلفة منطقية وطبيعية لكننا للأسف..لا نعيشها..
 
نعم نحن نحارب فى جبهات كثيرة، ليست أصلا ساحات قتال!!، نحارب ظروفًا اقتصادية طاحنة، ونحارب فى أماكن العمل وفى التعليم وفى العلاقات وفى الشارع وحتى فى دور العبادة.. الحرب فى كل الجبهات تصنع أبطالا.. هذا صحيح.. لكن كم هى مرهقة تلك الحالة!، أن تحارب فى كل الجبهات فى وقت واحد، ليس لديك رفاهية الانسحاب ولا حتى شجاعة الاستسلام ولا الحق فى هدنة!!، الحرب فى جبهات متعددة أمر صعب ومرهق لكنه مصنع الأبطال.. تتحول بمرور الوقت- ورغما عنك أحيانا- إلى شخص أقوى وأكثر قدرة على الصمود وأكثر جلدا فى الشدائد!!.
 
يبدو أن أقدارنا كأوطاننا، أن نحارب كل شىء كل الوقت!!، فنظرة سريعة على جيراننا العرب تجعلنا ندرك أن جبهات حروبنا طوال الفترة الماضية كانت أكبر وأكثر جدًا من أن نتصور عبورها.. وأن تحدياتنا الداخلية ومواجهة الإرهاب داخليا والأطماع خارجيا جعلتنا أقوى.
 
منهكون ومرهقون نعم.. لكننا أقوى!!، مصر اليوم أقوى مما كانت عليه قبل ثورة الخامس والعشرين من يناير.. وأهل مصر اليوم أقوى مما كانوا يعتقدون وهم يعلمون ذلك برغم سخريتهم من واقعهم أحيانا، وبرغم إحساسهم بالإرهاق الشديد من طول الوقت، ومن تعدد التحديات.. لكن مصر استطاعت أن تثبت للعالم أن هناك أوطانا حرة تقدر على الصمود، وأن هناك شعوبا حرة مهما تعددت محاولات تقييدها وترويعها.
 
ولكن، أليس من حق الأقوياء هدنة.. فترة استراحة محارب كما يسمونها.. أتمنى فقط أن تهدينا الأيام التالية لاستفتاء الدستور المرتقب فترة لالتقاط الأنفاس.. فترة للحكومة لتقييم الأداء.. وفترة للقيادة السياسية لمراجعة السياسات.
نقلا عن الوطن