متعة العلم وقوته فى ذكاء فرضياته وجهد تجربته، والأهم قوة وصحة تنبؤاته وتوقعاته، هذا هو الإعجاز العلمى الحقيقى، الإعجاز ليس أن تنتظر الغرب ليخترع ويبحث ويجتهد ويقتحم ويغامر وأنت جالس فى الظل فقط لتصرخ «أنتم لصوص نصوص كتابنا المقدس الذى كانت فيه النظرية العلمية راقدة بين الصفحات تثبت وتؤكد أنكم تسرقون منجزاتنا!!»

 

العالِم هو زرقاء اليمامة، والسؤال لو كانت النظرية كما يدعون راقدة بين حروف النص المقدس لماذا لم يكشفوها ويسبقوا الغرب ويريحوا ويستريحوا؟!

 

الإعجاز هو أن تكون حساباتك العلمية قوية لدرجة أن ما قد رسمه خيالك الجامح على الورق تثبته التجارب بعدها بعشرات، بل بمئات، السنوات، هم يتحدون المستقبل ويتحضرون به ونحن نتراجع بالماضى ونتخدر به!

 

قوة النبوءة هى ملخص ما حدث مع أينشتين وداروين، وهذا يجيب عن التساؤل «لماذا عند تصوير الثقب الأسود الذى حبس العالم أنفاسه هذا الأسبوع وهو ينتظر أهم صور القرن الحادى والعشرين، لماذا تنفسوا الصعداء عند ظهور الصورة ووجهوا الشكر لأينشتين؟»، لأنه كما قال أينشتين «ما ينقصنا هو الخيال لا المعرفة»، وكانت نظرية النسبية هى أصدق تطبيق على هذه الجملة البليغة البديعة، نظريته توقعات علمية وتخمينات فيزيائية، فهو قد افترض وتخيل مثلاً لو سافر شخص ما بسرعة الضوء ماذا سيحدث؟، لكن هل كانت لديه إمكانية أن يطلق شخصاً فى سفينة بسرعة الضوء؟، هل كانت لديه التليسكوبات الهائلة التى تم اختراعها بعد وفاته بعشرات السنوات؟، هل توقع الثقب الأسود الذى رسخه بعده ستيفن هوكينج وتحدث عنه هو أيضاً وهو العملاق الذى لا يقل تأثيراً أبداً عن سلفه أينشتين، هل هذا التوقع اعتمد على رؤية عين أم على تخمين وافتراض علم؟، الحقيقة أنها كانت فرضية لكنها من قوة الحبكة العلمية صارت حقيقة قرأناها هذا الأسبوع، لنخلع القبعات جميعاً لهذا العقل الجبار العظيم أينشتين.

 

هناك عقل جبار عظيم آخر استحق هذه المكانة وحدث معه نفس الشىء، واندهش العالم حين انتهى مشروع الجينوم ليرى شجرة داروين التطورية التى تخيلها تتحقق بالضبط وبكل تفاصيلها، ثبت أن الشمبانزى هو الذى يشاركنا ٩٨٪ من جيناتنا!!، وأن نسبة التشابه تقل كلما نزلنا فى شجرة التطور، بالضبط كما رسمها داروين الذى لم يكن يعرف قوانين الوراثة التى اكتشفها مندل بعد موته، ولم يكن يعرف ما هى مادة الـ«دى إن إيه» التى اكتشفها واطسون وكريك وحصلا بها على نوبل، لم يكن يملك أى معلومات من تلك التى اكتشفت بعد موته بسنوات طويلة، لم يكن لديه إلا قوة خياله وجسارة فكره وتمرد عقله، هذا هو العلم، وهذا هو جماله وعظمته.

نقلا عن الوطن