استقل العقيد معمر القذافى قائد الثورة الليبية الطائرة الأمريكية النفاثة «جيت ستار» من بنغازى إلى القاهرة يوم الأول من «ديسمبر»، مثل هذا اليوم ،1969 ومعه الوفد المرافق له وهم ثلاثة من أعضاء مجلس قيادة الثورة الليبية، «النقيب عبدالمنعم الهونى، والملازم محمد المقريف، والنقيب بشير هوادى»، بالإضافة إلى فتحى الديب أمين الشؤون العربية برئاسة الجمهورية فى مصر الموجود فى ليبيا، والذى أشرف على ترتيب هذه الزيارة، وكانت الأولى للقذافى إلى القاهرة».. «راجع- ذات يوم 1 ديسمبر 1969».

 
يتذكر «الديب» فى كتابه «عبدالناصر وثورة ليبيا»: «سلمت قائد الطائرة خط السير موضحا على خريطة جوية، كنت قد أحضرتها معى من القاهرة طالبا منه الالتزام بكل دقة بخط السير حفاظا على أمن الطائرة، التى روعى اتخاذها لخط سير مطول بعض الشىء للتضليل، كما أبلغت القاهرة بالوقت التقريبى لوصولنا مطار ألماظة.. ودار حديث طويل بين وبين العقيد خلال الرحلة تناول تطور الأحداث فيما قبل الثورة وبعدها، والأمل الكبير الذى كان يراوده فى الالتقاء بالرئيس جمال عبدالناصر»، مشيرا إلى سعادته بقرب تحقيقه لهذا الأمل المنشود، كما كانت السعادة والفرح مرتسمين على وجه أعضاء مجلس الثورة المرافقين لنا فى الزيارة.
 
يكشف «الديب» حالة «القذافى» منذ أن عبرت الطائرة الحدود الليبية إلى أرض مصر: «ما إن عبرنا الحدود المصرية جنوب السلوم، حتى وجدنا أربع طائرات مقاتلة مصرية تحيط بطائرة العقيد من الجانبين لحراستها، واطمأن قلبى لبدء هذه الحراسة فى موعدها، وبادر العقيد برد تحية قادة الطائرات المصرية الأربع متبادلا معهم الإشارة بيده..ولازم العقيد النافذة ليركز عينيه على أرض مصر مستفسرا منى عن كل المعالم الطبيعية التى مررنا عليها، إلى أن وصلنا فوق مديرية التحرير، فقمت بالشرح موضحا أبعاد المشروع على الطبيعة وما حققه من نتائج، ثم انتقلنا خلال مسيرتنا فوق الطريق الصحراوى للقاهرة والإسكندرية لتمر قرب وادى النظرون لأشرح له ما يجرى التفكير فيه من مشروعات بهذه المنطقة.. اقتربت الطائرة من محافظة الجيزة لتتضح معالمها الزراعية ثم التاريخية ممثله فى الأهرامات، ومجرى النيل العظيم أمام أعيننا، ولم يتمالك العقيد نفسه فقال: «الحمد لله أن وهب مصر هذا النيل العظيم».
 
اقتربت الطائرة من مطار ألماظة.. ويؤكد «الديب»: «تبادل قائد الطائرة الاتصال بمطار ألماظة ليستأذن فى الهبوط، وهبطت الطائرة بسلامة الله على ممر المطار، ثم اتجهت إلى مبنى قيادة المطار، لنشاهد الرئيس جمال عبدالناصر شامخا وحوله معاونوه، وتوقفت الطائرة لأهبط فى صحبة العقيد ولأقدمه إلى الرئيس جمال ليعانقه ودموع الأخوة أعضاء مجلس الثورة تنساب من أعينهم فرحا بهذا اللقاء التاريخى الذى عقدوا عليه آمالهم منذ قيام الثورة، ثم عانق الرئيس كل الأعضاء بعد أن قدمتهم بأسمائهم، واحتضنهم الرئيس ليصحبهم إلى قصر القبة حيث تم ترتيب إقامة العقيد ورفاقه طول مدة إقامتهم بالقاهرة».. يتذكر الديب: «تمت الزيارة خلال شهر رمضان، وكنا جميعا صائمين، وطلب منى الرئيس البقاء مع العقيد لأخذ بعض الراحة ثم لأصحبهم لتناول طعام الإفطار على مائدة الرئيس بمنزله فى منشية البكرى».
 
توجه «الديب» مع العقيد القذافى والوفد المرافق له إلى منزل الرئيس عبدالناصر قبل الإفطار بخمس دقائق، ويتذكر «الديب»، أن القذافى وإخوانه طلبوا التقاط الصور التذكارية لهم مع الرئيس: «ثم توجهنا إلى مائدة الإفطار ليشارك الرئيس والعقيد وإخوانه كل من، أنور السادات، وحسين الشافعى «نائبا الرئيس»، وعلى صبرى، ومحمود رياض وزير الخارجية، والفريق محمد فوزى وزير الحربية، ودارت أحاديث ودية وذكريات عامة على مائدة الإفطار، ثم انتقلنا إلى الصالون الكبير بعد استئذان محمود رياض، والفريق محمد فوزى ليبقى «العقيد» وإخوانه مع الرئيس جمال وأنور السادات، وحسين الشافعى، وعلى صبرى».
 
حضر «الديب» كل الاجتماعات، وحسب تأكيده، فإن الاجتماع الذى تلا إفطار اليوم الأول، طرح خلاله «العقيد» على الرئيس صورة كاملة لموقف الثورة الليبية منذ التفكير فى القيام بها، مارا بكل المراحل التى خطط لها بمعاونة إخوانه إلى أن تم الاتصال بالقاهرة، وطلب معونة ثورة 23 يوليو، وقدم «العقيد» الشكر لعبدالناصر باسم شعب ليبيا على ما يقدمه من دعم لثورتهم، وعقب الرئيس، مؤكدا استعداد القاهرة للوقوف إلى جانب ثورتهم بكل الإمكانيات لتثبيت أقدامها وتحرير أراضيها العربية من كل أنواع الاستعمار، ويكشف «الديب» أن القذافى طرح على الرئيس العديد من المشاكل نتيجة محاولات بريطانيا وأمريكا التستر وراء قاعدتيهما فى «العضم» و«الملاحة» للإطاحة بالثورة، وطلب المشورة فى تنفيذ سرعة جلاء القوات الأمريكية والبريطانية عن القاعدتين، وطرح الرئيس رأيه بالتفصيل موضحا الخطوط الرئيسية وكل الاحتمالات، وانتهى الاجتماع بعد ثلاث ساعات، وفى صباح اليوم التالى تجدد اللقاء.